يبدو ان الرئيس التركي كان مصيبا عندما حصر الخلاف بين بلاده والكيان الاسرائيلي، في نطاق ما وصفه بـ"بعض الصعوبات مع الشخصيات في اعلى الهرم"، ودليله على ذلك ، ان العلاقات "على المستوى الاستخباراتي مستمرة ولم تتوقف"، والمعروف ان المستوى الذي اشار اليه اردوغان، اي الاستخباراتي، يعتبر عادة "البارومتر"، الذي يقاس به عمق العلاقات بين الدول.
تصريحات أردوغان التي جاءت عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، لم تخلو كالعادة من "نقد" بات يوجهه الى "سياسة اسرائيل" تجاه فلسطين، انطلاقا مما وصفه، نظرته لـ"العدالة ووحدة اراضي الدول"، وما عدا ذلك، اعرب اردوغان عن امله في ان تنتقل علاقات بلاده مع الكيان الاسرائيلي الى "مستوى افضل".
ما قاله اردوغان، لن يكشف جديدا في العلاقات بين تركيا والكيان الاسرائيلي، ، فما قال اردوغان امس يتقاطع مع تصريحات أدلى بها رئيس وزرء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير شباط الماضي، ونشرتها صحيفة "جيروزالم بوست"، حيث قال إنه وبالرغم "من الخطاب العلني للحكومة التركية، وتسميته له في السابق بأنه "هتلر" إلا أن العلاقات مُزدهرة بين الطرفين".
الجديد فيما وراء كلام اردوغان، وفقا لما ذكرته صحيفة "المونيتور" الأمريكية، نقلا عن مصادر وصفتها بالموثوقة، ان اردوغان قام ، بمبادرة منه، بفتح قناة اتصال سرية بين تركيا والكيان الاسرائيلي، بهدف تحسين العلاقات بينهما، حيث أجرى رئيس جهاز المخابرات التركية، هاكان فيدان، محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، اعربت انقرة عبر هذه القناة عن قلقها من موقف الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مقارنة بإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بموضوع فرض العقوبات على تركيا.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية نقلا عن مصدر استخباراتي غربي، أن "الحسابات التركية تعتقد بأن العلاقات الطيبة مع "إسرائيل" ستمنحهم نقاطا مع إدارة بايدن، وتتناول جولة المحادثات الثنائية، ـ دون تحديد مكان اللقاء ـ رفع مستوى العلاقات، بعد طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، في مايو/ أيار 2018".
العديد من المراقبين يعتقدون ان قادة تركيا ، دون استثناء، عادة ما ينظرون الى "اسرائيل" على اعتبارها "طوق نجاة" ، لن يستطيعوا الاستغناء عنه مهما كانت الظروف، وهذه القناعة ترسخت لدى قادة تركيا منذ ان اعترفت تركيا، كأول دولة اسلامية في العالم، بالكيان الاسرائيلي، بعد عام واحد من "اعلان قيام دولة اسرائيل"، وهذا الاعترف كان مفتاحا لانضمام تركيا الى حلف الاطلسي. حيث كانت "إسرائيل" والعلاقة معها عاملا مهما في تعزيز العلاقات بين تركيا والغرب، وتحديدا امريكا،. وبقيت هذه العلاقات عبر سبعة عقود، ثابتة ومتجذرة، بغض النظر عن الحزب الذي يحكم تركيا.
رغم كل ما قيل عن الحرب الكلامية التي يشنها اردوغان بين وقت واخر ضد "اسرائيل"، منذ صعوده الى السلطة عام 2002، الا ان لغة الارقام لا تتفق مع تلك النبرة العالية التي تستخدمها تركيا مع "اسرئيل". فهذا موقع "ترك برس" ينقل عن وزير الطاقة الإسرائيلي حينها يوفال شتاينيتز، قوله "لم تتأثر العلاقات التجارية بين البلدين رغم بعض الخلافات الدبلوماسية في 2008 و 2013، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين لعام 2009، مليارين و597 مليوناً و163 ألف دولار، وعلى الرغم من التدهور الدبلوماسي للعلاقات المتبادلة بين الطرفين، إلا أنّ حجم التبادل التجاري لعام 2014، بلغ 5 مليارات و832 مليون و180 ألف دولار".
وفي نهاية عام 2017 نقلت "دويتشه فيله"، الالمانية، عن كريستيان باركل، الخبير بالشؤون التركية، ومدير مؤسسة "هاينريش بول" في تركيا، قوله ان "أردوغان يحب تنصيب نفسه بمظهر المنقذ للمسلمين في مواجهة ترامب و"إسرائيل" ، غير أنّه يستخدم مهاراته الخطابية في هذا العداء الشكلي، من أجلِ كسب الانتخابات المبكرة التي سوف يقدم عليها قريبا".
وحول براغماتية أردوغان في التعامل مع "اسرائيل" نقلت "دويتشه فيله" عن كبير مستشاري الدولة التركية والرئاسة، وهي البرفيسور، هاتيس كارهان، قوله : ان "الاقتصاد لا يفهم سوى لغة الأرقام، وصادرات تركيا إلى "إسرائيل" تجاوزت خلال الأعوام القليلة الماضية حاجز 2,5 مليار دولار، وهو مبلغ مستمر النمو، وهذا يعني، أنّ السوق الإسرائيلي من أهم الأسواق لتركيا في العالم".
وفي هذا البين ليس من الواضح كيف يمكن تفسير مكانة العقيدة الاخوانية ونزعة اردوغان السلطوية وكذلك عثمانيته الجديدة في اطار ادبياته وافكاره . وهل يمكن تصور يوم تصبح فيه القضية الفلسطينية وولاء اردوغان للاخوان المسلمين لاسيما حركة حماس في غزة ضحية لبراغماتية الرئيس التركي ؟ هذا الامر لايبدو مستبعدا نظرا لتصريحات اردوغان ومواقف مسؤولي حكومته .
URL تعقيب: https://www.ansarpress.com/arabic/21474
الكلمات: